مسألـة السيادة على جـزر ليوشيو 1871 –1881

Abstract

مسألـة السيادة على جـزر ليوشيو 1871 –1881


المقدمـة
ترك الامتداد الحضاري والفكري الصيني ، في العهد الامبراطوري ، أثرا كبيرا في عموم الشرق الاقصى وجنوب شرقي آسيا . وكان له دوره في خضوع اغلب دول هذه المنطقة لسيادة الإمبراطورية الصينية ، إعترافاً منها بانها دولة عظمى أسمى منها حضارياً وفكرياً . وظهر هذا الأمر جلياً في تبعية مملكة ليوشيو (1) لإمبراطورية الوسط (الصين) . وكان احد مظاهر ذلك هو دفعها جزية سنوية للصين ولكن من دون ان تتدخل الاخيرة في شؤونها الداخلية . وقد حافظت مملكة ليوشيو على ذلك الوضع ردحاً طويلاً من الزمن . ولكن بعد أنفتاح منطقة الشرق الاقصى ، ولا سيما الصين واليابان، على العالم الخارجي في أواسط القرن التاسع عشر ، وتعرضها للمؤثرات الدولية، وتباين استجابة كل منهما لتلك المؤثرات، وهزيمة الصين المتكررة ، ونهضة اليابان من كبوتها ، بعد ذلك كله هل بقيت مملكة ليوشيو محافظة على تبعيتها للإمبراطورية الصينية ؟ وكيف أثرت نهضة اليابان الحديثة على ذلك ؟ وهل بقيت الحكومة الصينية متمسكة بالسيادة عليها ؟ … إن الاجابة على هذه التساءولات تطلبت منا الرجوع الى التقارير والمذكرات التي رفعها المسؤولون الصينيون ، وبعض دبلوماسيي مملكة ليوشيو ، لإمبراطور الصين والتي دارت بشأن موضوع السيادة الصينية على مملكة ليوشيو ، ومطالبة اليابان بها ، والتي جمع جزأ منها في الكتاب الذي حرره الباحث دون جي لي والمعنون بـ
China in Transition :1517 –1911, New York ,1969.
وقد مثلت هذه الوثائق المعين الذي استمد منه البحث فحواه . وقد يبدو للقارئ والباحث عدم انسجام واضح بين اهمية هذا الموضوع وعدد هذه الصفحات التي ناقشته ولعل ما يسوغ ذلك هو ندرة الوثائق والمصادر التي تطرقت اليه . فأذا ما استثنينا الوثائق التي رفدت البحث بمعلومات قيمة فأن بقية المصادر المستخدمة في البحث رغم اهميتها ورصانتها لم تتوسع في مناقشة هذا الموضوع . وقد يرجعنا هذا الامر بحد ذاته الى التساؤل عن مدى الاهمية التي اعطتها حكومة المانشو لمناقشة هذا الموضوع في حينه .
واتخذ عام 1871بداية لموضوع البحث وهو العام الذي شهد وقوع حادث مقتل طاقم سفينة اوكيناو في سواحل فرموزه الذي اتخذته الحكومة اليابانية ذريعة للتدخل في شؤون ليوشيو . كما إن عام 1881 شهد إعلان الحكومة الصينية تنازلها بشكل رسمي عن جزر ليوشيو .
ويواجه الباحث في تأريخ الصين الحديث صعوبات عديدة تتركز على نحو رئيس في ندرة الوثائق فالمعروف دائما ان الحكومات الصينية تعزف عن نشر وثائقها ، إلا ما ندر . كما ان ورود مسميات الأشخاص والأماكن بصيغ عديدة ، يضيف صعوبات أخرى للباحث ولا سيما ان الفرد الصيني كان معتاداً على ان يتخذ لنفسه أكثر من أسم ، والى جانب ذلك ان الصينيين في العهد الإمبراطوري دأبوا على تدوين الأحداث على وفق سني حكم أباطرتهم ، الامر الذي تطلب مقارنتها وتحويلها الى التاريخ الميلادي.
مدخل للدراسة:
ليس بالإمكان تحديد طبيعة العلاقة التي ربطت بين الصين ومملكة ليوشيو ، لقرون خلت ، من دون الأخذ بالحسبان الامتداد الحضاري والفكري الصيني في الشرق الأقصى عموما. فالصين كانت المعلم الحضاري الأكبر لدول هذه المنطقة ، التي سلمت بسموها الفكري والحضاري طواعية ، وشكلت مؤسساتها ونظمها وقوانينها وعاداتها وتقاليدها على وفق النمط الصيني(2). وفي ضوء ذلك اصبح الارتباط السياسي لدول هذه المنطقة ، فيما عدا اليابان ، قائماً ضمن حدود الإمبراطورية الصينية التي ضمت فضلا عن الصين الاصلية كوريا ومملكة فيتنام ونيبال ومنغوليا وجزر ليوشيو وجزر سولو(3). وقد مارست الحكومة الامبراطورية المركزية في بكين سلطة غير مباشرة عليها ، نظراً لسعة حدود إمبراطوريتها المترامية الأطراف وتخلف وسائل المواصلات ، وإستحالت إعداد وتمويل جيش قوي بأمكانه ان يضمن السيطرة المباشرة على أنحائها كافة . وعلى اساس ذلك فأنها اكتفت بممارسة السلطة الاسمية عليها ، شريطة ان تدفع لها جزية سنوية ، ليتجسد في ذلك اعترافها بتبعيتها الى الصين (4)، وايمانها بنظرية إمبراطورية الوسط التي عدت الصين مركز العالم ، وانها أرقى الأمم وما الشعوب الاخرى سوى (همج متبربرين) الاجدر بهم الاعتراف بسيادة امبراطورية الصين عليهم (5) . وقد حافظت مملكة ليوشيو بدورها على هذه العلاقة التبعية للصين منذ عام 1372م ، حينما قام الإمبراطور الصيني هونغ وو ، احد أباطرة أسرة المينج (6) ، بتنصيب احد سكان جزر ليوشيو ، حاكماً عليها،ومنحه لقب وانغ أي الملك. ومنذ ذلك الحين تولى ملوك ليوشيو الحكم في مملكتهم من دون تدخل الصين واليابان في شؤونها الداخلية والخارجية مع اعترافهم بالسيادة الاسمية للصين وإرسالهم الجزية السنوية اليها حتى قيام اليابان بأعلان ضمها اليها رسميا عام 1879 (7).